الرفاق الأعزاء، 

نحن الآن ندخل مرحلة فاصلة بعمقٍ في الثورة التي بدأت في 17 تشرين الأول 2019. بالنسبة لأولئك منا الذين شاركوا في السنوات الأولى من إعادة بناء يسارٍ حيٍّ في لبنان، تمثِّل الانتفاضة إثباتًا لكل ما حلمنا به: أن الطائفية يمكن هزيمتها من خلال النضال الشعبي؛ وأن التغييرات الجوهرية التي تحدث في قاعدة المجتمع جعلت البنية الفوقية القديمة غير قابلة للحياة؛ وأن وهم إصلاح نظام طائفي لخلق “رأسمالية أكثر إنصافًا” كان مجرد وهم؛ وأن نضالنا لإعادة بناء المقاومة سيكون طويلاً وشاقًا وأنه لا توجد طرق مختصرة؛ وأن هذا الخطاب لا يمكن أن يحل محل الفعل. 

خلال تلك الفترة نشرنا “فلسطين حرة” و”اليساري” و”المنشور” و”الثورة الدائمة”، كأمثلةٍ وتعبيرٍ عن جديتنا وعزمنا. وقمنا بذلك دون أوهامٍ وفي مواجهة كل الصعاب. 

لقد تحمَّسنا جميعًا من الجيل الجديد الذي انغمَسَ في تجربة الثورة، والدروس القاسية للثورة المضادة. وبينما كافح الكثير منا ضد النزعة القدرية القاتلة والمنجزات الصغيرة في الثمانينيات والتسعينيات، يرى هذا الجيل ما هو ممكن ولديه تجربة الاحتجاجات والمظاهرات الجماهيرية التي كانت بالنسبة للكثيرين مجرد حلم جامح.

لقد أوضحت لنا ثورة تشرين ما هو ممكن، لكنها كشفت أيضًا إلى أي مدى لا يزال يتعيَّن علينا المضي قدمًا. الآن بلدنا في دوامة أزمة لا يمكن أن يتحقق فيها أي أمل في الإصلاح الحقيقي، الذي يفيد جماهير الناس بدلاً من المؤسسات الدولية للرأسمالية، داخل النظام، ولكن فقط من خلال التحول الشامل للمجتمع. 

لكن كيف يمكن القيام بذلك؟ لا شك أن حركة الإصلاح قد بلغت حدَّها، وأن من الأسهل إقناع الضبع بقلع أسنانه من إقناع الطبقة الحاكمة بالتخلي عن سلطتها. الخطر الآن هو أن هذه القوى نفسها تسعى لملء الفراغ الذي خلفته الأزمة. ولهذا السبب نحتاج إلى تقديم بديل منظم وعملي لجماهير الغاضبين والمُحبَطين، لئلا يقعوا ضحيةً لقوى الظلام مرة أخرى. 

علينا أن نبني مؤسسات الثورة: لجان في الأحياء وأماكن العمل والمدارس والمستشفيات، وما إلى ذلك، تلك التي يمكن أن تتولى زمام الإدارة اليومية للمجتمع. يمكن أن تصبح هذه اللجان ركائز لحكومة بديلة، وتثبت عمليًا كيف يمكن تنظيم المجتمع. هذه مهمة ملحة، مثلما أوضحت لنا تجربة صامدون، في حدود إمكانياتنا وخبراتنا. وكما يقول المثل “روما لم تبن في يوم … لكنها بنيت”! 

لكن عجزنا الأكبر هو أننا نفتقر إلى حزب ثورة منظم، حزب مكرس للثورة الدائمة، وليس مجرد سلسلة من الإصلاحات، حزب ينظِّم أفضل مناضلي الطبقة، وليس مجرد صوت للحركة. بعد فقدان رفيقنا العزيز باسم شيت، ذاب هذا المشروع في الرمال. وقد أقنعتني قراءة وتنظيم جميع كتاباته على مدار العام الماضي بمدى صحة إستراتيجيته، ومدى أهمية المواصلة من حيث توقَّفَ. 

لديّ شعورٌ متزايد بالقلق من أن كلَّ ما بنيناه منذ نهاية الحرب الأهلية سيضيع، وسيضيع هذا الجيل الثوري أيضًا، ومعه الأمل في التغييرات الأساسية التي نحتاجها في وقتٍ تضغط فيه الأزمة العالمية علينا جميعًا. 

أكتب إليكم على أمل أن تنضموا إليّ في إعادة تدشين حزب ثوري يمكن أن يعبر عن القيادة والخبرة الجماعية لجيلٍ من المثقفين والقادة والناشطين الذين أظهروا لنا ما هو ممكن. 

تحية رفاقية، 

سيمون عساف