الاشتراكيون الثوريون | بقلم  مصطفى عمر

لا يختص هذا المقال بالرد على (المصريين الصهاينة) سواء كانوا على شاكلة لميس جابر اليمينية العنصرية التي تطالب أن تؤيد مصر إسرائيل في حربها الهمجية على الشعب الفلسطيني وتطالب بتأميم أموال الفلسطينيين في مصر وترحيلهم – فعنصريتها من الوقاحة التي يجب إدانتها وكفى؛ أو كانوا على شاكلة عضو المصريين الأحرار اليميني محمد زكي الشيمي الذي يكتب أن إسرائيل ليست عدو لمصر – وهو محق بمعنى أن الطبقة الرأسمالية الحاكمة في مصر والتابعة لمصالح الإمبريالية الأمريكية التي تسيطر في الشرق الأوسط لا تعتبر إسرائيل (كلب الحراسة الأكبر للمصالح الأمريكية في المنطقة) عدو لها.

كما لا يختص هذا المقال بالدخول في جدل مع قطاعات من يسار الدولة المصرية الذي يستمر في الانزلاق إلى الحضيض في دفاعه عن وهم أن حكم العسكر (المدني!!) أهون على مصر من حكم الإسلاميين، زاعما أن حماس – وهي الحركة الرئيسية في المقاومة الفلسطينية – حركة (دينية فاشية) مثلها مثل الحركات الدينية الرجعية كالإخوان المسلمين أو الشديدة الرجعية مثل أنصار بيت المقدس وجبهة النصرة وداعش.

نريد أن نوضح في هذا المقال كيف يجب أن نحلل ونتعامل كثوريين نؤمن أن بناء مجتمع ديمقراطي يأتي من خلال نضال وتنظيم الجماهير المٌستغلة والمٌضطدة – وهذا هو هدفنا – كيف نفهم ونتعامل مع حركات اسلامية (كما نتعامل أيضا مع حركات “مدنية”) تناضل أو تدعي أنها تناضل ضد الأنظمة الرجعية والإمبريالية.

وسنركز هنا وبالتحديد على حركة حماس التي تقود المقاومة في فلسطين منذ التسعينات لأن الموقف منها ملتبس بين القوى الثورية الحقيقية في مصر والعالم – وهو الأمر الذي يضعف نضالنا ضد الأنظمة الرجعية والإمبريالية.

بادىء ذي بدء، يجب أن نوضح أننا على قناعة تامة أن حركه التغيير الثوري ضد النظام الرأسمالي العالمي تتطلب ليس فقط النضال الطبقي علي مستوي دولي ضد الطبقات المٌستغلة أيا كانت، بل أيضا نضالات وانتفاضات المضطهدين لزعزة وإضعاف المنظومة الرأسمالية العالمية – سواء كانت تلك أقليات مضطهدة في دولة ما مثل المسيحيين في مصر أو العراق أو السود في الولايات المتحدة، أو كانت شعوب مستعمرة من قبل القوى الإمبريالية مثل فلسطين في حالة العالم العربي. 

ومن هذا المنظور فإننا نرى أن النضال الفلسطيني (بكل فصائله ومع كل تحفظات أي ثوري على سياسات فصائله) ضد الصهيونية والإمبريالية التي ترعاها كان منذ بدايته، وما زال حتى يومنا هذا، يلعب دور محوري في زعزعة المنظومة الإمبريالية في العالم ويفتح، مرة بعد أخرى، الاَفاق لصعود الصراع الطبقي في العالم العربي مثلما فتحت الانتفاضة الفلسطينية في 2000 حقبة نضال جديدة في مصر انتهت باندلاع ثورة 25 يناير.

موقف ثوري من حماس
لم يساوي هذا الموقع أبدا بين كل الحركات (الاسلامية) المتنوعة في الدول المختلفة وفي لحظات مختلفة في الزمن. ودائما ما نحاول أن نتفهم الحركات الإسلامية في سياق نشأتها التاريخية ومضمونها الاجتماعي والطبقي وأهدافها السياسية؛ ودائما ما نحاول أن نحلل ما إذا كانت هذه الحركات تقاوم الأنظمة الرجعية والإمبريالية، حتى ولو بشكل متذبذب أو مشوه، أو ما إذا كانت حركات رجعية صرف تعادي نضال ووحدة الجماهير المستغلة والمضطدة، وبالتالي تخدم مصالح الأنظمة الرجعية والإمبريالية.

وعلى أساس فهمنا المادي لهذه الحركات الاسلامية وعلاقتها بالجماهير وبالأنظمة الرجعية وبالإمبريالية حددنا دائما موقفنا منها على تنوعاتها. كما أننا نعدل ونغير من مواقفنا الاستراتيجية والتكتيكية تجاه هذه الحركات مع تطورها وتعرجاتها ومقاومتها للإمبريالية أحيانا وخيانتها للجماهير أحيانا أخرى.

فعلى سبيل المثال، نحن نعتبر أن حركات إسلامية مثل داعش في سوريا والعراق هي حركات رجعية في الصميم تٌقوي من خلال عنصريتها وجرائمها ضد الشيعة والمسيحيين إلي القضاء على فكرة أن توحد المضطهدين أمر أساسي لمقاومة الأنظمة الديكتاتورية والاستعمار، ولذلك فنحن نعتبرها حركة تخدم، وبالضرورة، مصلحة الأنظمة الديكتاتورية والاستعمار، ونعاديها من حيث المبدأ على هذا الأساس.

ونحن نفرق بين داعش الإسلامية الرجعية الصرف – من ناحية – وحماس الإسلامية أو حزب الله الإسلامي – من ناحية أخرى – لأن الأخيرتين نشأتا بهدف مقاومة الاستعمار ودخلت في صراعات ومواجهات عديدة مع الصهيونية والإمبريالية من أجل الحقوق المشروعة للشعبين الفلسطيني واللبناني. 

فنحن ننظر إلى حركة حماس، والتى نشأت في خضم الانتفاضة الفلسطينية الأولى في نهاية الثمانينات واكتسبت شعبية واسعة بين الفلسطينيين لرفضها التنازل والاستسلامات التي قدمتها (فتح) للعدو الصهيوني والولايات المتحدة، ولمقاومتها العسكرية لأكثر من عدوان إسرائيلي غاشم على غزة – ننظر اليها على أنها حركة مقاومة للصهيونية والامبريالية.

ومن هذا المنظور فإننا ندعم حركه حماس عندما تناضل بشكل عسكري أو غير عسكري ضد إسرائيل – دعم غير مشروط: لأنه يضعف الكيان الصهيوني ويرعب الأنظمة العربية والولايات المتحدة – وبالتالي يقوي فرص النضال الطبقي في الدول العربية ضد هذه المنظومة الإمبريالية. 

إلا أن دعمنا غير المشروط لحماس لا يعني ولم يكن ولن يكون دعما غير نقدي، لأننا نؤمن أن استراتيجيات حركه حماس في النضال لتحرير فلسطين – مثلها مثل استراتيجيات فتح واليسار الفلسطيني من قبلها – استراتيجيات عجزت وستعجز عن تحرير فلسطين. 

أن استراتيجية حماس في الارتباط ببعض الانظمة العربية (ومن ضمنها مصر حتى الأمس القريب) وغير العربية الرجعية التي تقمع شعوبها وتتآمر دائما لخنق النضال الفلسطيني (لأنها تدرك أن البطولة والصمود الفلسطيني هو أمر كان وسيكون دائما محفز لهذه الشعوب، وهي الظهير الطبيعي لنصرة القضية الفلسطينية على الثورة ضدهم)، هذه الاستراتيجية التي تستنسخ استراتيجية فتح واليسار الفلسطيني منذ الستينات لن تحرر فلسطين؛ فبدلا من أن تتضامن حماس مع نضالات الجماهير العربية التي لها مصلحة في التخلص من الإمبريالية والصهيونية، تمضي حماس في استراتيجية التحالف مع الأنظمة التي تتعاون وعن طيب خاطر مع الإمبريالية والصهيونية.

ثانيا، فرغم البطولات الخارقة لمقاتلي حماس الذين يتصدون ببسالة لكل عدوان إسرائيلي وفي ظروف مستحيلة – هذه البطولات التي أضاءت قلوب الملايين حول العالم بالأمل في لحظات هزيمة للربيع العربي – رغم هذه البطولات فإن أسلوب حماس الفوقي في التفاعل مع الجماهير الفلسطينية – وهو ذات الأسلوب الذي اعتمدته من قبلها حركة فتح واليسار الفلسطيني في تعاملها مع الشعب الفلسطيني – كأدوات يقتصر دورها على مساندة النضال المسلح والسمع والطاعة للقيادة الثورية بديلا عن المشاركة الشعبية الواسعة في تطوير استراتيجية المقاومه والمشاركة في اتخاذ القرار – هو منهج يضعف قدرات المقاومة الجماهبرية على المدى الطويل في ظل وجود عدو تزداد أسلحته الفتاكة يوما بعد يوم.

ولهذا السبب فإن تأييد القوي الثورية لحماس وللمقاومة الفلسطينية ليس فقط تأييد غير مشروط بل هو تأييد نقدي أيضاً.

وبنفس المنطق فأننا، رغم تأييدنا له في أي مواجهة مع إسرائيل، ندين الموقف المعادي للثورات العربية التي اتخذه حزب الله بوقوفه إلى جانب السفاح بشار الأسد في سوريا.

تأييدنا للمقاومة في فلسطين هو تأييد غير مشروط لأن النضال الفلسطيني ضد الصهيونية شوكة في عنق الإمبريالية، ولأن للشعب الفلسطيني، وله هو فقط، مثله مثل كل الشعوب المستعمرة، الحق في تقرير مصيره، وذلك يتضمن حقه في اختيار قياداته واختيار وسائل المقاومه التي يراها مناسبة لطبيعته وظروفه.

وهو تأييد أيضا نقدي لأن مصير التغيير الثوري في العالم العربي يرتبط عضويا بالمقاومة الفلسطينية والعكس صحيح.

عاش نضال الشعب الفلسطيني – مصباح الثورات العربية!