الانتفاضة الفلسطينية.. انتفاضة كل التراب الفلسطيني

الاشتراكية الثورية

سيد صديق

يستمر الشعب الفلسطيني في صموده المُلهِم أمام جبروت الآلة العسكرية الصهيونية، ويظل يقاوم، في انتفاضةٍ شعبيةٍ واحدةٍ لا تتجزأ في الضفة ومدن الداخل وبالمقاومة المسلحة من غزة، رغم ما يتكبَّده من أرواحٍ ودماءٍ وتدمير واسع النطاق. 

خلال السنوات القليلة الماضية، وحتى نهوض أهالي حي الشيخ جراح ليشعلوا شرارة الانتفاضة في كل فلسطين، كان الكيان الصهيوني وحلفاؤه يتبجَّحون بالمشروع الذي يمضون فيه على قدمٍ وساق دون رادع، وكأن لا وجود لجماهير فلسطينية أو مقاومة. تجسَّد ذلك المشروع في الصفقة الكبرى للإدارة الأمريكية مع الكيان الصهيوني ودول الخليج (والتي وافق عليها الرئيس المصري بحفاوةٍ في لقائه مع ترامب في 2017). وتمثَّلَت هذه الصفقة -أو بالأحرى ما جرى تسريبه منها- في ثلاثة محاور رئيسية لتفتيت الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية برمتها: 

أولًا، دمج الضفة الغربية في الكيان الصهيوني، حيث إلحاق أراضي الضفة شيئًا فشيئًا عبر الاستيطان المتواصل. يرى الكيان الصهيوني في الضفة الغربية مصلحةً إستراتيجية أساسية، حيث المرتفعات والمساحات الأرحب، واحتياطات المياه ذات الأهمية الكبرى. ومن خلال إلحاق أراضي الضفة، يتمثَّل هدف الكيان الصهيوني في توحيد ما سلبه عام 1948 مع ما احتله عام 1967. 

جاء في هذا السياق نقل السفارة الأمريكية على يد إدارة ترامب، في مايو 2018، من تل أبيب إلى القدس (تعهَّدَ بايدن ووزير خارجيته بلينكن على الإبقاء على السفارة في القدس)، وما يعنيه ذلك من التبني الكامل من جانب الإدارة الأمريكية للموقف الصهيوني المعارض لحل الدولتين. 

ثانيًا، عزل قطاع غزة وإحكام الحصار عليه، وبعبارةٍ أخرى تحويل غزة إلى سجنٍ كبير، يُدار بشكلٍ مشترك بين مصر والكيان الصهيوني. لا يرى الكيان الصهيوني أهميةً كبرى في احتلال قطاع غزة المكتظ بالسكان (ثالث أعلى كثافة سكانية في العالم)، وهو الذي وصفه رئيس الوزراء الصهيوني السابق إسحق رابين بأنه يتمنَّى لو أن القطاع “يغرق في البحر”. 

ثالثًا، استيعاب اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاروة بتمويلٍ خليجي سخي، إلى جانب خنق وعزل فلسطينيي الداخل المحتل، بل وربما طردهم، وفقًا لقانونٍ إسرائيلي سنَّه الكنيست في 2018 يقضي بأن الكيان الصهيوني “دولة لليهود فقط”، وهو ما يفتح الباب أمام طرد هؤلاء الفلسطينيين من منازلهم. 

مثَّل هذا المشروع المسمار الأخير في نعش حل الدولتين، الذي لطالما تهافت به الساسة المنبطحون والمدافعون عن “المدنيين الإسرائيليين”، على حدِّ قولهم. الكيان الصهيوني لم يقبل في أي وقتٍ مضى، ولن يقبل في أي وقتٍ في المستقبل، بدولةٍ فلسطينية ذات سيادة على أي جزءٍ من فلسطين. ونحن نشهد منذ اتفاقيات مدريد وأوسلو في التسعينيات سراب هذا الحل الواهم، ذلك لأن المشروع الصهيوني قائمٌ بالأساس على التوسع. وقد استخدم الكيان الصهيوني المفاوضات اللانهائية كغطاءٍ لاستكمال مشروعه الاستيطاني في الضفة، ومحاصرة غزة، وعزل فلسطينيي مدن الداخل، ويستثمر في مشاريع هائلة لبناء المستوطنات، ما ضاعَفَ عدد المستوطنين ثلاثة أضعاف منذ اتفاقية أوسلو (1993). 

إذا كان هدف الكيان الصهيوني هو تفتيت الفلسطينيين وعزلهم عن بعضهم، فقد جاءت انتفاضتهم واحدةً متلاحمة ولا تنفصم في كافة أرجاء فلسطين. وإذا كان حل الدولتين ليس له مكانٌ في إستراتيجية الكيان الصهيوني، فالرسالة التي تبعثها الانتفاضة الجارية، ببسالة أبنائها ودمائهم وتضحياتهم، وباتساعها في كافة أرجاء فلسطين، هي أنها لا تشغل بالًا بحل الدولتين، بل بالنضال من أجل تحرير كل التراب الفلسطيني. 

تثبت المقاومة الفلسطينية الشعبية والمسلحة قدرتها على الوقوف حاجزًا مهيبًا أمام المشروع الصهيوني وآلته العسكرية، ومن ورائه الولايات المتحدة والتطبيع الخليجي وغيرهم، وأنها قد تقدر على عرقلة ذلك المشروع. لكنها بحاجةٍ إلى التضامن والدعم. لقد هبَّ مئات الآلاف في عواصم ومدن العالم لدعم الشعب الفلسطيني، ونحن في مصر بحاجةٍ إلى إحياء أشكال التضامن الشعبي الذي وُلِدَ من قبل خلال الانتفاضة الثانية عام 2000 (والنقابات المهنية قد تكون طريقًا إلى ذلك)، إضافةً إلى العمل على توسيع نطاق وفاعلية حملة مقاطعة الكيان الصهيوني، التي أصبحت بالفعل منذ سنوات حركةً عالمية مؤثِّرة.

اكتشاف المزيد من المَنْشُور - Al Manshour

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading